سماحة الشيخ عيسى عيد
الحديث متواصل عن مصحف فاطمة (عليها السلام) في روايات اهل البيت (عليهم السلام)، و قد نقلنا كلام الامام الصادق (عليه السلام) الوارد في صحيحة ابي بصير.
ومن خلال التأمل في الحديث الشريف تتضح عدة امور مهمة:
أولًا:
أنّ علم اهل البيت ليس من نسخ وجنس علوم سائر الناس، وهذا يتضح من خلال طريقة تلقي العلم، وطريقة التعليم، حيث ينص الإمام: على أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم عليا الف باب، يفتح من كل باب الف باب، وطبيعي هذا النوع من التلقي ليس معهودا عند الناس العاديين.
ثانيًا:
ان مصحف فاطمة (عليها السلام) مما اختص به أهل البيت عليهم السلام، وكان محجوبًا حتى عن المقربين من اصحاب الأئمة عليه السلام، والسر في ذلك هو ان العلم الذي يحتوي مصحف فاطمة عليه السلام لا يمكن ان تتحمله العقول العادية، ولا يمكن ان تحمله القلوب البشرية الغير معصومة وغير المؤهلة، اذ العلم نور متفاوت النورانية يحتاج كل علم الى وعاء يناسبه. وهذا ما كان الامام عليه السلام يؤكد عليه مرارا في الحديث عند ما يقول ابو بصير: هذا والله العلم، فيقول الامام عليه السلام: إنه لعلم وما هو بذاك، أي ليس بذاك العلم الذي في ذهنك، وما ذاك الاّ لعدم قدرة العقول العادية على تحمله.
ثالثًا:
إن مصحف فاطمة عليها السلام ليس قرانا، حتى يكون مغايرا للقرآن الذي ندين ونعتقد به، كما يدين ويعتقد به المسلمون، بل يؤكد الامام عليه السلام أنّ مصحف فاطمة عليها السلام ليس فيه ولا حرف واحد من القرآن، حيث يقول الامام: “مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد”. وقلنا في الاسبوع الماضي أنّ هذه المثلية يحتمل ان تكون من جهة الكم والحجم، ويحتمل ان تكون من جهة العلم الذي يحتوي عليه، ويحتمل الامران والله العالم.
وبهذا يبطل ما يشنع به على الامامية من أنّ لهم قرآنا غير هذا القرآن الذي بيد المسلمين، وتسقط بذلك شبهتهم التي يثيرونها حول مصحف فاطمة عليها السلام.
رابعًا:
يظهر من كلام الامام عليه السلام أنّ مصحف فاطمة فيه علم ما كان وما يكون الى أن تقوم الساعة، وهذا هو قول الامام عليه السلام: “ان عندنا علم ما كان وما هو كائن الى أن تقوم الساعة”.
وفي صحيح ابي عبيدة قال: “سأل أبا عبدالله عليه السلام بعض اصحابنا عن الجفر، فقال: هو جلد ثور مملوءة علما، قال له: فالجامعة؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الاديم مثل فخذ الفالج”، والفالج الجمل الضخم ذو السنامين، “فيها كل ما يحتاج الناس اليه، و ليس من قضية الاّ و هي فيها، حتى أرش الخدش. قال: فمصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: فسكت طويلا، ثم قال عليه السلام: انكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون، إنّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على ابيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على ابيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن ابيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة”.
وبعد التأمل في هذا الحديث تتبلور الأمور التالية:
الأول: أن مصحف فاطمة عليها السلام هو من حديث الأمين جبرئيل لفاطمة عليها السلام وخط امير المؤمنين عليه السلام. فكان لفاطمة هذا المقام العظيم الا وهو كونها محدثة من قبل الملائكة وخصوصا جبرئيل عله السلام.
الثاني: أن هذا المصحف كان له شأن ومكانة في قلب فاطمة، حيث كان جبرئيل عليه السلام يسليها ويعزيها بما في هذا الصحف من اخبار واحداث ستحصل في المستقبل.
الثالث: أن الامام الصادق عليه السلام يؤكد أن مصحف فاطمة من الامور التي اختص بها أهل البيت عليهم السلام لأنه فوق عقول البشر، وذلك قوله عليه السلام: “انكم لتبحثون عمّا تريدون، وعمّا لا تريدون”، وذلك يعني: انكم تبحثون وتفتشون عما ينبغي لكم ان تريدوه ويتعلق به غرضكم، وعما لا ينبغي لكم ارادته ولم يتعلق به غرضكم.
وفي ذلك تنبيه للناس أن يتعلموا ما ينفعهم وما تتحمله عقولهم من المعارف، ولا يتكلفوا علم ما لا ينفعهم وما هو فوق طاقاتهم وقدراتهم العقلية والايمانية.
السلام عليك أيتها المظلومة المهضومة، لعن الله من ظلمك وهضمك وغصب حقك، اللهم بحق فاطمة وابيها وامها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها، غيّر سوء حالنا بحسن حالك، واكشف هذه الغمة عن أمة نبيك (صلى الله عليه و آله).
————————————————–
من خطبة الجمعة في جامع كرزكان – 4 جمادى الأولى 1435 هـ / 4 أبريل 2014م
جميع الحقوق محفوطة لـ جمعية اقرأ لعلوم القرآن